سورة الأنبياء - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنبياء)


        


{وَمَا خَلَقْنَا السمآء والارض وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ} وإنما خلقناها مشحونة بضروب البدائع تبصرة للنظار وتذكرة لذوي الاعتبار وتسبباً لما ينتظم به أمور العباد في المعاش والمعاد، فينبغي أن يتسلقوا بها إلى تحصيل الكمال ولا يغتروا بزخارفها فإنها سريعة الزوال.
{لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً} ما يتلهى به ويلعب. {لاتخذناه مِن لَّدُنَّا} من جهة قدرتنا، أو من عندنا مما يليق بحضرتنا من المجردات لا من الأجسام المرفوعة والأجرام المبسوطة كعادتكم في رفع السقوف وتزويقها وتسوية الفرش وتزيينها، وقيل اللهو الولد بلغة اليمن وقيل الزوجة والمراد به الرد على النصارى {إِن كُنَّا فاعلين} ذلك ويدل على جواب الجواب المتقدم. وقيل: {إِن} نافية والجملة كالنتيجة للشرطية.
{بَلْ نَقْذِفُ بالحق عَلَى الباطل} إِضراب عن اتخاذ اللهو وتنزيه لذاته عن اللعب أي بل من شأننا أن نغلب الحق الذي من جملته الجد على الباطل الذي من عداده اللهو. {فَيدمغه} فيمحقه، وإنما استعار لذلك القذف وهو الرمي البعيد المستلزم لصلابة المرمى، والدمغ الذي هو كسر الدماغ بحيث يشق غشاؤه المؤدي إلى زهوق الروح تصويره لابطاله ومبالغة فيه، وقرئ: {فَيَدْمَغُهُ} بالنصب كقوله:
سَأَتْرُكْ مَنْزِلي لَبَنِي تَمِيم *** وَأَلْحَق بِالحِجَازِ فَأَسْتَرِيحَا
ووجه مع بعده الحمل على المعنى والعطف على {الحق}. {فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} هالك والزهوق ذهاب الروح وذكره لترشيح المجاز. {وَلَكُمُ الويل مِمَّا تَصِفُونَ} مما تصفونه به مما لا يجوز عليه، وهو في موضع الحال وما مصدرية أو موصولة أو موصوفة.
{وَلَهُ مَن فِى السموات والارض} خلقاً وملكاً. {وَمَنْ عِندَهُ} يعني الملائكة المنزلين منه لكرامتهم عليه منزلة المقربين عند الملوك، وهو معطوف على {مَن فِى السموات} وأفرده للتعظيم أو لأنه أعم منه من وجه، أو المراد به نوع من الملائكة متعال عن التبوؤ في السماء والأرض أو مبتدأ خبره: {لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} لا يتعظمون عنها. {وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ} ولا يعيون منها، وإنما جيء بالاستحسار الذي هو أبلغ من الحسور تنبيهاً على أن عبادتهم بثقلها ودوامها حقيقة بأن يستحسر منها ولا يستحسرون.
{يُسَبِّحُونَ الليل والنهار} ينزهونه ويعظمونه دائماً. {لاَ يَفْتُرُونَ} حال من الواو في {يسبحون} وهو استئناف أو حال من ضمير قبله.
{أَمِ اتخذوا ءَالِهَةً} بل اتخذوا والهمزة لإِنكار اتخاذهم. {مِّنَ الأرض} صفة لآلهة أو متعلقة بالفعل على معنى الابتداء، وفائدتها التحقير دون التخصيص. {هُمْ يُنشِرُونَ} الموتى وهم وإن لم يصرحوا به لكن لزم ادعاؤهم لها الإِلهية، فإن من لوازمها الاقتدار على جميع الممكنات والمراد به تجهيلهم والتهكم بهم، وللمبالغة في ذلك زيد الضمير الموهم لاختصاص الانشار بهم.
{وَلَوْ كَانَ فِيهِمَا ءَالِهَةٌ إِلاَّ الله} غير الله، وصف ب {إِلاَّ} لتعذر الاستثناء لعدم شمول ما قبلها لما بعدها ودلالته على ملازمة الفساد لكون الآلهة فيهما دونه، والمراد ملازمته لكونها مطلقاً أو معه حملاً لها على غير كما استثنى بغير حملاً عليها، ولا يجوز الرفع على البدل لأنه متفرع على الاستثناء ومشروط بأن يكون في كلام غير موجب.
{لَفَسَدَتَا} لبطلتا لما يكون بينهما من الاختلاف والتمانع، فإنها إن توافقت في المراد تطاردت عليه القدر وإن تخالفت فيه تعاوقت عنه. {فسبحان الله رَبِّ العرش} المحيط بجميع الأجسام الذي هو محل التدابير ومنشأ التقادير. {عَمَّا يَصِفُونَ} من اتخاذ الشريك والصاحبة والولد.
{لاَّ يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} لعظمته وقوة سلطانه وتفرده بالألوهية والسلطنة الذاتية. {وَهُمْ يُسْئَلُونَ} لأنهم مملوكون مستعبدون والضمير لل {ءَالِهَةً} أو للعباد.


{أَمِ اتخذوا مِن دُونِهِ ءَالِهَةً} كرره استعظاماً لكفرهم واستفظاعاً لأمرهم وتبكيتاً وإظهاراً لجهلهم، أو ضماً لإِنكار ما يكون لهم سنداً من النقل إلى إنكار ما يكون لهم دليلاً من العقل على معنى أوجدوا آلهة ينشرون الموتى فاتخذوهم آلهة، لما وجدوا فيهم من خواص الألوهية، أو وجدوا في الكتب الإِلهية الأمر بإشراكهم فاتخذوهم متابعة للأمر، ويعضد ذلك أنه رتب على الأول ما يدل على فساده عقلاً وعلى الثاني ما يدل على فساده نقلاً. {قُلْ هَاتُواْ برهانكم} على ذلك إما من العقل أو من النقل، فإنه لا يصح القول بما لا دليل عليه كيف وقد تطابقت الحجج على بطلانه عقلاً ونقلاً. {هذا ذِكْرُ مَن مَّعِىَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِى} من الكتب السماوية فانظروا هل تجدون فيها إلا الأمر بالتوحيد والنهي عن الإِشراك، والتوحيد لما لم يتوقف على صحته بعثة الرسل وإنزال الكتب صح الاستدلال فيه بالنقل و{مَن مَّعِىَ} أمته و{مَن قَبْلِى} الأمم المتقدمة وإضافة الذِكْر إليهم لأنه عظتهم، وقرئ بالتنوين ولا إعمال وبه وب {مِنْ} الجارة على أن مع اسم هو ظرف كقبل وبعد وشبههما وبعدمها. {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ الحق} ولا يميزون بينه وبين الباطل، وقرئ: {الحق} بالرفع على أنه خبر محذوف وسط للتأكيد بين السبب والمسبب. {فَهُمْ مُّعْرِضُونَ} عن التوحيد واتباع الرسول من أجل ذلك.


{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ يُوحَى إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إله إِلاَّ أَنَاْ فاعبدون} تعميم بعد تخصيص، فإن {ذكر من قبلي} من حيث إنه خبر لاسم الإِشارة مخصوص بالموجود بين أظهرهم وهو الكتب الثلاثة، وقرأ حفص وحمزة والكسائي {نُوحِى إِلَيْهِ} بالنون وكسر الحاء والباقون بالياء وفتح الحاء.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9